فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لقد حانت اللحظة الحاسمة التي يتعين عليكم فيها اتخاذ قرار تاريخي. لم تعد موريتانيا قادرة على أن تكون دولة غنية بمواردها ولكنها فقيرة بفرص التنمية الحقيقية. تحت قيادتكم، بدأت تظهر بوادر انفتاح ورغبة في الإصلاح، إلا أن هذه الإشارات وحدها لا تكفي لإحداث التغيير الجذري المطلوب.
دولة غنية، وشعب فقير: مفارقة لا يمكن الاستمرار في تجاهلها
تمتلك موريتانيا ثروات طبيعية من شأنها أن تضعها في مصاف الدول المتقدمة إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح، وهذه الثروات تشمل:
• احتياطيات هائلة من الحديد في شركة سنيم التي يمكن أن تكون الأساس لصناعة وطنية قوية وقادرة على دفع عجلة التنمية الاقتصادية.
• الغاز الطبيعي في البحر الذي قد يصبح أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني.
• ذهب تيرس زمور الذي يمثل ثروة هائلة.
• الموارد البحرية الهائلة التي تجعل من موريتانيا قوة بحرية.
هذه الثروات يجب أن تكون رافعة قوية للتنمية، ولكن الواقع مختلف تمامًا، حيث تظل البنية التحتية غير كافية، ويستمر الحصول على الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء رفاهية في بعض المناطق. على سبيل المثال، اعترفتم مؤخرًا في نواذيبو بأنه من غير المقبول أن يعيش المواطنون هناك دون الوصول إلى الماء والكهرباء، في الوقت الذي يُعتبر فيه هذا حقًا أساسيًا للمواطنين.
نماذج أفريقية ناجحة يمكن الاقتداء بها:
على الرغم من التحديات، هناك دول أفريقية نجحت في تحويل ثرواتها الطبيعية إلى فرص حقيقية لشعوبها، بل وأصبحت مثال يحتذى به في قارة إفريقيا. لماذا لا يمكن لموريتانيا أن تحذو حذوها؟
• في بوتسوانا، استُثمرت عائدات الألماس في مجالات التعليم والصحة، مما ساعد في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وقد جعلت الشفافية في إدارة الموارد بوتسوانا نموذجًا للحوكمة الرشيدة.
• غانا، بفضل سياسة حكيمة لإدارة عائدات النفط، تمكنت من استثمار مواردها في بناء بنية تحتية قوية وتعليم متميز، مما جعل اقتصادها متنوعًا ويعتمد على أكثر من مصدر واحد.
• كوت ديفوار، من خلال صناعاتها الزراعية المتقدمة والبنية التحتية الحديثة، أصبحت واحدة من أكبر الاقتصادات في غرب إفريقيا، مما أدى إلى تزايد الطبقة الوسطى.
• ورغم افتقارها للموارد الطبيعية الكبيرة، تمكنت رواندا من تحقيق نمو اقتصادي مستدام بفضل استثمارها في رأس المال البشري والتحول الرقمي، مما جعلها أحد النماذج الرائدة في إفريقيا.
موريتانيا تمتلك من الموارد أكثر من هذه البلدان، ولديها القدرة على تحويل هذه الثروات إلى محرك نمو شامل يخدم جميع أبناء الوطن، إذا ما تم الاستثمار بشكل عادل.
الديمقراطية، العدالة والمساواة: الركائز الأساسية للتنمية المستدامة
فخامة الرئيس، لا يمكن لأي تحول حقيقي في موريتانيا أن يتحقق دون إرساء دعائم ديمقراطية حقيقية. الديمقراطية ليست مجرد آلية للحكم، بل هي ضمان أساسي لتحقيق العدالة والمساواة في الفرص. يجب أن تُصبح العدالة والمساواة ركيزتين أساسيتين في بناء دولة قوية، قادرة على تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
الديمقراطية الحقيقية تقتضي إلغاء كل أنواع التمييز، وتوفير فرص متساوية لجميع المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الجغرافية. يجب أن تضمن العدالة الاجتماعية أن يستفيد جميع الموريتانيين من الثروات الوطنية بشكل عادل، وأن تُصبح العدالة القضائية واقعًا ملموسًا يستطيع المواطن الاعتماد عليه لحماية حقوقه وتحقيق العدالة.
الانتخابات ومشاكلها: من الضروري الإصلاح
أحد أكبر التحديات التي تواجه الديمقراطية في موريتانيا هو النظام الانتخابي الذي ما زال يشوبه الفساد والتزوير. الانتخابات، التي يجب أن تكون فرصة حاسمة للتعبير عن إرادة الشعب، غالبًا ما تشهد ممارسات غير قانونية مثل شراء بطاقات التصويت، مما يحول العملية الانتخابية إلى مجرد صفقة مالية. هذه الممارسات تقوّض من مصداقية النظام السياسي وتمنع بروز ديمقراطية حقيقية.
الغزو الهجري وآثاره على الهوية الوطنية
تواجه موريتانيا أيضًا تحديًا كبيرًا يتمثل في غزو هجرة غير شرعية من دول الجوار، ما يغير تدريجيًا هوية البلاد الثقافية والاجتماعية. هذا التدفق الهائل للمهاجرين لا يعد مجرد تدفق عادي لأفراد يبحثون عن فرص عمل أو مأوى، بل أصبح تدفقًا غير منظم يهدد استقرار المجتمع. وللأسف، فإن بعض هؤلاء المهاجرين يتسللون إلى البلاد بطرق غير قانونية، ويعيشون في ظروف غير قانونية، مما يهدد استقرار الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
الشعب: حجر الزاوية في التغيير والنمو المستدام
فخامة الرئيس، أمامكم خياران حاسمين:
- الحفاظ على الوضع الراهن في نظام قديم واحتكاري يحقق مصالح فئة قليلة فقط.
- اتخاذ خطوة جريئة وتحقيق إصلاحات شاملة تضمن توزيعًا عادلًا للثروات الوطنية وتُمكن المواطنين من استثمار قدراتهم لتحقيق تنمية مستدامة.
اختيار حاسم ينتظر اتخاذه الآن
لقد سئم الشعب الموريتاني من الخطابات غير المجدية والوعود التي لم تُنفذ طوال السنوات الماضية. يطمح الموريتانيون اليوم إلى خطوات ملموسة تحقق تطلعاتهم وتغير حياتهم اليومية. إنهم يرفضون أن يظلوا مجرد شهود على استنزاف ثروات بلادهم، بينما يبقون في الفقر والضياع.
إذا قررتم، فخامة الرئيس، وضع الشعب في قلب الإصلاحات، فإنكم ستصبحون، ليس فقط عامل تغيير محوري، بل ستتركون إرثًا خالداً يعتمد على العدالة، المساواة، والازدهار للجميع.
موريتانيا تمتلك كل العوامل اللازمة للنجاح، ولكن هذا النجاح لن يتحقق إلا إذا اخترتم قيادة الأمة نحو المستقبل بشكل أكثر شمولية وعدالة. لا تتركوا هذه الفرصة تفوتكم.
إن الشعب الموريتاني يراقبكم بعين الأمل، وهو يساندكم في السعي نحو مستقبل أفضل. والتاريخ سيحكم على اختياركم لا محالة.
بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي
📌 اقرأ المزيد على الرابط: https://www.elhodh.info/