بات الرئيس الموريتاني السابق ليلته الأولى في السجن بعد صدور الحكم الابتدائي عليه بالسجن خمس سنوات نافذة، ومصادرة أملاكه ودفع 1.5 مليون دولار للخزينة الموريتانية، غرامة على الإثراء غير المشروع وغسيل الأموال.

ليست تلك الليلة الأولى للرجل في المعتقل، فمنذ اكثر من سنة، قررت السلطات الموريتانية، وضع حد لحركة الرجل، وألقت به في غيابات السجن.
إلا أن تلك الليلة نقلته من متهم إلى مدان بحكم ابتدائي قابل للاستئناف.

أما بقية الموقوفين معه، فقد نالوا أحكاما تراوحت ما بين البراءة التامة من التهم التي كانت تحاصر عددا منهم، وأخرى بالإفراج المغلف بإدانة وسجن غير نافذ، أو نافذ بما يتناسب مع الفترة التي قضوا في الاعتقال.

في بيت ولد عبد العزيز، حسرة ممزوجة بانفراجة بسيطة، عاد الصهر محمد ولد امصبوع إلى والديه وزوجته كريمة الرئيس الموريتاني، بعد أن نال حكما بالإفراج عنه، ليبدأ حياة جديدة، سوف تختلف عن سنوات ما قبل اعتقاله، وسقوط نظام صهره المعتقل.

أما في بقية بيوت المتهمين فقد عمت الفرحة، وتوافد المهنئون، فقد انتهى أصعب ملفات القضاء والسياسة في موريتانيا.

وبين السياسة والقضاء دار الملف لفترة طويلة، وسط حديث متعدد في الشارع الموريتاني عن تأثر للأحكام الصادرة بإرادة الدولة وتوجهاتها، حيث رأت فيها أغلب قطاعات الشعب الموريتاني أحكاما مخففة لا تتناسب مع حجم ما أثير من حملة دعائية عن المتهمين ودورهم في الفساد.

ولد عبد العزيز.. حكم مخفف في انتظار العفو

كان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز صاحب النصيب الأكبر في التهم والإدانة، حيث يتوقع أن يفقد الرجل حريته لفترة قد لا تنتهي قبل انتصاف مأمورية صديقه السابق وخصمه الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

ويبدو جليا أن الأحكام حققت مجموعة من الأهداف لصالح النظام أبرزها:

–    كسر الصورة الرمزية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وما أحاط به نفسه خلال السنوات المنصرمة من هالة بشأن محاربة الفساد، حيث ظل عاجزا إلى آخر حلقات المحاكمة عن تقديم مبرر مقنع للأموال المتحصل عليها، قبل أن يكشف في اللحظات الأخيرة أن60%  منها هدية أو إكرامية تلقاها من الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، وهي الحجة التي يصعب التأكد منها.

–    انتزاع مخالبه السياسية: من خلال تجريده من حقوقه المدنية، وما يعنيه ذلك من تضييف مسارب السياسة أمامه، ومنعه لاحقا من الترشح أو التصويت أو أي ممارسة سياسية أخرى، ويصعب على النظام الحالي رفع هذا الحظر عن الرجل خلال السنوات القريبة.

–    مصادرة الأموال: الهائلة التي تعتقد السلطة أن الرجل قد تحصل عليها بطرق غير مشروعة، وهو مبالغ وممتلكات تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الأوقية القديمة، وهو مبلغ كفيل بإقامة أكثر من 100 مدرسة جديدة مجهزة، وأكثر من 300 نقطة صحية، وأكثر من 2000 بئر ارتوازية مجهزة

وداخل المحيط الاجتماعي للرئيس حملت الأحكام رسالة مبطنة بعدم الاستهداف، حيث أفرج عن رجال الأعمال المقربين اجتماعيا من الرئيس السابق، ونالوا أحكاما خفيفة، مقابل ما توجه إليهم من تهم شغلت الرأي العام.
وبعضهم ربما استخدم كشاهد وحجة ضد الرئيس السابق،

تبرئة الورزاء.. تهدئة أخرى قبل الحملة الرئاسية

أفرج القضاء عن عدد من الوزراء أبرزهم

الوزير الأول السابق يحيى ولد حدمين: والذي يعتبر أحد أركان نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، إضافة إلى كونه أحد أركان السياسة في الحوض الشرقي وخصوصا جيكني، ولم تكن تبرئة الرجل مستبعدة، باعتبار وجوده في الملف لم يكن هدفا أساسيا لدى السلطة ونوابها المقربين منها، 
رغم مايشاع عن علاقته الخاصة ببعض أفراد العائلة الضيقة،
زيادة على مرافعته التي استطاع بها شد الانتباه وتقديم معطيات عن إنجازاته.

ولا شك أن مؤشرات تبرئة ولد حدمين سبقتها رسائل سياسية متعددة، منها تعيين إحدى بناته في منصب عال جدا، إضافة إلى نشاط عدد من مقربيه في حزب الإنصاف، وعمل حلفه السياسي لصالحه.

محمد سالم ولد البشير ولد دمب: يمكن اعتباره العنصر الأقل خطورة بين المشمولين في الملف، وقد كانت التهم الموجهة إليه بسيطة، واستطاع دفاعه نسف التهم الموجهة إليه، ويتوقع أن يكون الرجل أحد العناصر المؤثرة مستقبلا في نظام ولد الشيخ الغزواني، خصوصا في ظل توجهاته الاجتماعية التي تركز على ملف الحراطين.
ولا بد هنا من الإشارة الي مايتداوله بعض المقربين منه من أن تشويهه بدأ يوم أقدم  أحد المسؤولين الكبار من تقديم مواد للإعلام بهدف تشويهه واستهدافه ومنع تعيينه ابتداء.

الطالب ولد عبدي فال: ينتمي إلى مقاطعة إلى الطينطان، جاهد كثيرا لإقناع المحكمة ببراءته، قبل أن يدخل في سجال مستمر مع الوزير الأول السابق محمد سالم ولد مروزق، وإلى آخر اللحظات كان دفاع السلطة يتوقع أن تتم إدانة الرجل لكنه أيضا خرج ببراءة.

محمد عبد الله ولد أوداعه: ينتمي إلى مقاطعة ألاك، وهو أحد الوجوه السياسية المؤثرة في المنطقة، تأثر حلفه السياسي الذي كان الأقوى في المقاطعة بفترة سجنه، 
لايذكر ولد اوداعه إلا وذكر تسيس شركة سنيم، وتوظيفها في السياسة واقحامها في السياسة الحزبي.
ويتوقع أن يستعيد مزيدا من ألقه، في المنطقة، خصوصا أنه غير منافس في محيطه الاجتماعي، وبخروجه ببراءة يدخل حلفه السياسي حالة انتعاش جديد، قد تعيد ترتيب الأوراق السياسية في البراكنة.

محمد سالم المرخي: نال المرخي واحدا من أصعب الأحكام، ووفق مصادر قريبة من الملف فإن خناق التهم قد ضاق على المرخي بشكل كبير، لينال في النهاية حكما بالسجن غير النافذ، ومصادرة الأموال المستفادة من الجريمة، وهو ما يعني وفق خصوم المرخي أن ثروته ستتناقص بشكل كبير، وإن كان سيسمح له بالعودة إلى منزله مقصوص جناحي التأثير وذلك بفعل الحرمان من الحقوق المدنية.

هل انتهت أزمة فساد العشرية؟

رغم استئناف النيابة العامة للأحكام الصادرة ضد الرئيس السابق وأنصاره فلا يتوقع تغيير كبير في الأحكام جراء مطالبها، خصوصا أن السلطة تعمل جاهدة من أجل طي هذا الملف الذي أرهق المؤسسة القضائية والأمنية خلال السنوات المنصرمة، وتضاربت فيها الإرادات الإرادات القضائية والأمنية، قبل أن توجهه الإرادة السياسية بإحالته للقضاء.

ويتوفر أكثر من سبب لسعي السلطة لإغلاق هذا الملف أبرزها:

–    أن فتحه أصلا لم يكن خيارا بالنسبة للسلطة، فقد بدأ من بعض الأطراف السياسية ذات الصوت المعارض قبل أن يفرض نفسه واقعا على المشهد السياسي والأمني، وعزز منه سلوك الرئيس السابق وتصرفاته المتحدية للسلطة، مما عجل بالمواجهة بين الطرفين.

–    أن الملف كلف السلطة جهدا سياسيا وأمنيا كبيرا، وحالة استنفار عالية، وقد آن أن تعود إلى حالة التهدئة، وتوجيه إراداتها إلى مجالات أكثر أولوية بالنسبة لها.

–    أن حجم ما حصلت عليه السلطة من معلومات وما تتبعت من خيوط وعلاقات داخلية وخارجية للرئيس السابق مكنها بالفعل السلطة من انتزاع مخالب الرئيس السابق وتجريده من أغلب أوراق قوته، مما يجعل خطورته معدومة.

ماذا بقي بيد ولد عبد العزيز؟

يمكن الجزم بأن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بات أضعف من أي وقت مضى، وأن أغلب الأوراق التي بيده قد احترقت، خصوصا بعد أن عزلته السلطة عن المحيطين السياسي والاجتماعي، ومع إخفاق دفاعه في تبرئته أو إقناع الرأي العام بأن ثراءه كان منطقيا

إلا أن الحكم المخفف عليه يظهر أن السلطة لا تنوي التمادي في معاقبته، وتبدو الخيارات المنطقية لقضيته محصورة فيما يلي:

–    تأكيد الحكم القضائي وإيداعه السجن لإكمال محكوميته التي تنتهي وسط النصف الأخيرر من المأمورية الثانية للرئيس الغزواني

–    العفوقبل اكتمال المحكومية: وهو قرار متوقع جدا، ويتناسب مع شخصية الرئيس الغزواني ومع الأحكام المخففة التي صدرت باسمه، وإن كان من المتوقع أن لا يكون هذا العفو سريعا.

جزء آخر من الصورة، هل سيكون ولد عبد العزيز، مستعدا لفتح صفحة جديدة إذا خرج من السجن، أم أنه سيفتح باب الانتقام من صديقه السابق وخصمه الحالي.