عاد إلى نواكشوط مساء اليوم السبت فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بعد زيارة خاصة إلى المملكة المغربية الشقيقة. والتقى خلالها بالعاهل المغربي محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء، في إطار تعزيز علاقات التعاون والثقة بين البلدين. جاءت هذه الزيارة للاطمئنان على السيدة الأولى بعد عملية جراحية أجرتها في المغرب، وقد أكدت السيدة الأولى أن صحتها في تحسن مستمر لله الحمد، معبرة عن امتنانها للتعاطف الواسع ودعوات الشفاء التي تلقتها.
وتأتي الزيارة وسط تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي من مدونين مغاربة يعبرون عن قلقهم من تطور العلاقات الاقتصادية بين موريتانيا والجزائر، خاصة مع سماح موريتانيا للجزائر بتشييد طريق معبّد يربط بين تندوف والزويرات على طول 840 كيلومترًا، والذي ستتولى إنجازه شركات جزائرية لوحدها دون أي شراكة مع الشركات الموريتانية. كما يشمل التعاون فتح خط بحري تجاري، إنشاء منطقة حرة، واستئناف تجارة المقايضة بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، قامت الجزائر بإنشاء بنك جزائري في نواكشوط لدعم أنشطتها الاقتصادية والتجارية وتعزيز حضورها في السوق الموريتاني.
وعلى مر التاريخ، كانت هناك محاولات جادة في مشاريع مشتركة بين موريتانيا والجزائر، خاصة في مجالي الصيد والطاقة، التي كان من المؤمل أن تحقق نجاحاً كبيراً مع حرص قيادات البلدين على تعزيز التعاون. ومع ذلك، باءت هذه المشاريع بالفشل العميق، رغم تولي شركات جزائرية كبيرة إدارتها، مثل **سوناطراك، نفطال، ونفتك** في مجال الطاقة، و**الشركة الجزائرية الموريتانية للصيد** في مجال الصيد.
وقد أثار هذا الأمر استياء كبيراً في الأوساط الموريتانية، حيث اعتبر العديد من المراقبين أن هذه التجربة تعد مثالاً على سوء إدارة المشاريع المشتركة، وغياب التنسيق الفعّال بين الطرفين لضمان استدامتها وتحقيق أهدافها.
وفي هذا السياق، يظل تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات هدفاً استراتيجياً، مع ضرورة الاستفادة من دروس الماضي وتجنب الأخطاء التي أدت إلى تعثر المشاريع السابقة. ويتطلب ذلك وضع آليات واضحة وصارمة لضمان نجاح المشاريع المستقبلية، بما يخدم المصالح المشتركة ويعزز الشراكة التاريخية بين الشعبين.
وفي المقابل، يُعد التعاون مع المملكة المغربية ركيزة أساسية، بما يجمع البلدين من وشائج تاريخية وروابط استراتيجية متينة تُتيح آفاقًا رحبة لتعميق الشراكة الثنائية. وقد تُفسَّر هذه الزيارة التي قام بها الرئيس باعتبارها تجسيدًا عمليًا لدعم وتوطيد هذا التعاون المشترك بما يخدم المصالح المتبادلة.
لكنه رأى الكثيرون في إنشاء السنغال والمغرب خطًا بحريًا بين أكادير وداكار خطوة تعكس التنافس على الأسواق الإفريقية بين الجزائر والمغرب، حيث يسعى كل منهما إلى تعزيز حضورها الاقتصادي في القارة الإفريقية عبر مشاريع استراتيجية تعزز التكامل والتبادل التجاري مع دول المنطقة.
وقد تستفيد موريتانيا بشكل كبير من مشروع أنبوب الغاز المزمع إنشاؤه بين المغرب ونيجيريا، والذي يمتد على طول 6,800 كيلومتر، منها 5,100 كيلومتر تحت البحر، وبقدرة على نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا. ومن المتوقع أن يدخل هذا المشروع حيز التشغيل بحلول عام 2029، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 26 مليار دولار
.
ومن المقرر أن يشمل المشروع توسعة لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، إلى جانب تلبية احتياجات دول غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي، مما يعزز التكامل الإقليمي والتنمية الاقتصادية في المنطقة.
في الختام، تحتل موريتانيا موقعًا استراتيجيًا يمكّنها من الاستفادة من تعاونها مع جيرانها لتحقيق التنمية وتعزيز حضورها الاقتصادي في المنطقة. ومع تعدد الفرص، يبرز أيضًا تحدي تحقيق التوازن بين الشراكات الاستراتيجية مع الجزائر والمغرب، مع الحرص على الاستفادة من المشاريع المشتركة بما يخدم مصلحة الشعب الموريتاني.
يتطلب النجاح في هذا السياق رؤية شاملة، وآليات تنسيق فعالة، وإدارة شفافة للمشاريع، مع الحرص على استثمار موقع موريتانيا كجسر يربط شمال القارة بجنوبها، مما يعزز مكانتها كلاعب أساسي في تحقيق التنمية الإقليمية.
بقلم المدير الناشر لوكالة الحوض للأنباء
Engineer El-Hadj Sidi Brahim Sidi Yahya