في ظل التحولات السياسية الراهنة، سجلت بعض الانتقادات الموجهة لنواب مقاطعة الطينطان، حيث يُنظر إلى الوضع التنموي المتعثر، في المخيال الجمعي، كنتيجة حتمية لقصور تمثيلي لم يرقَ إلى مستوى الطموحات الشعبية. غير أن هذا النوع من الطروحات، وإن كان مشروعًا ضمن إطار الممارسة الديمقراطية، يستدعي تحليلًا معمقًا يميز بين المسؤوليات الدستورية لمختلف الفاعلين السياسيين، ويضع النقاش في إطاره المؤسساتي الصحيح، حتى لا يتم توجيه النقد بشكل يخلط بين المهام التشريعية والرقابية للبرلمان وبين الدور التنفيذي للحكومة.
فعند النظر إلى ألأداء البرلماني لنواب الطينطان، تتجلى ملامح جهد تشريعي ورقاب تم توظيفه في إثارة الإشكالات التنموية الجوهرية التي تعكس معاناة السكان اليومية، حيث تم الدفع بهذه القضايا إلى دوائر المساءلة البرلمانية، لا سيما ما يتعلق منها بالهشاشة البنيوية في البنية التحتية، والاختلالات العميقة في قطاعي الصحة والتعليم، والجمود الذي يطبع ديناميكيات التنمية الاقتصادية.
ورغم أن هذا الدور قد أسفر عن نتائجه ملموسة لبعض الملفات العالقة وطرح إشكاليات مصيرية على طاولة النقاش المؤسسي، إلا أن الدور التشريعي والرقابي، بطبيعته المؤسسية، يظل محكومًا بإطار قانوني لا يسمح له بامتلاك سلطة القرار التنفيذي، مما يجعل البرلمان أشبه بمنبر لنقل المطالب أكثر منه جهة تنفيذية قادرة على إحداث تغيير ميداني مباشر. ومن هنا ينبثق التساؤل حول مدى وجاهة تحميل النواب مسؤولية إخفاقات تنفيذية تقع، بحكم الدستور، ضمن الاختصاص الحصري للحكومة، التي تمتلك وحدها القدرة على ترجمة السياسات إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع.
إلا أن الإشكال الجوهري لا يقتصر على تداخل السلطات فحسب، بل يتجذر في إرث بنيوي مثقل بتراكمات الحكومات السابقة، حيث ظل الإقلاع الاقتصادي، الذي شكّل محورًا متكررًا في الوعود الانتخابية للرئيس محمد الشيخ الغزواني، مرتهنًا بمعادلات معقدة تتجاوز الإطار الحكومي ككيان إداري، لتتداخل مع بنية مصالح متشابكة ومراكز نفوذ راسخة داخل الدولة، قادرة على إجهاض أي مسار إصلاحي لا يتماهى مع استراتيجياتها الراسخة، مما يجعل أي محاولة للتغيير تصطدم بِحَواجِزَ بنيوية عصية على التفكيك بمقاربات تقليدية.
فهذه الشبكات المتغلغلة في مفاصل القرار لم تكن مجرد عوائق عرضية، بل شكلت لُب المشكلة، حيث تحولت إلى قوة ممانعة غير مرئية، تفرض سقوفًا محددة للحركة الإصلاحية، وتعيد إنتاج الأزمات عبر ديناميكيات تعيد ضبط التوازنات السياسية بما يخدم بقاءها. وفي هذا السياق، تظل مقاطعة الطينطان نموذجًا دالًا على الهشاشة التنموية العميقة، حيث أسهم التهميش الممنهج في ترسيخ اختلالات بنيوية في توزيع الموارد والمشاريع الاستراتيجية، ما يجعل أي مقاربة إصلاحية لا تأخذ بعين الاعتبار تفكيك بُنى الإقصاء وإعادة صياغة التوازنات التنموية مجرد إعادة تدويرٍ لنفس الإخفاقات المؤسسية. ويُعزى إدراج هذه الإشكالية ضمن الديناميكيات الاستراتيجية للحكومة الجديدة، إلى الحراك البرلماني المستمر الذي يقوده النائب سيدي محمد السييدي، والذين تمكنوا، من خلال مرافعات مكثفة داخل الأطر التشريعية، من تسليط الضوء على أبعاد الأزمة، مما يفرض ضرورة بلورة حلول جذرية تتجاوز الحلول الترقيعية نحو إعادة هندسة شاملة للسياسات التنموية، تكفل إعادة توزيع أكثر إنصافًا للموارد وتُعيد الاعتبار للمناطق التي ظلت لفترات طويلة خارج حسابات التخطيط الاستراتيجي للدولة
بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي
المدير الناشر لوكالة الحوض للأنباء
اقرأ المزيد على الرابط :https://www.elhodh.info/