في قرية عين فَرْبَه، حيث البساطة تسكن البيوت كما تسكن القلوب، مرت أيامٌ ثقيلة في ظاهرها، عظيمة في معناها. انقطع التيار الكهربائي والماء لأكثر من عشرة أيام متواصلة، فانقطعت معها السكينة عن البيوت، وتجمدت بعض مظاهر الحياة، وتوقفت نبضات من تفاصيل يومية كانت تُؤخذ على أنها مُسلَّمات.
لم تعد الهواتف تُشحن، وانقطعت سبل التواصل، وتوقفت الورش الحرفية، وجُمدت خدمات المواطن في الإدارات المحلية. تعطلت أجهزة التبريد، وتلفت أدوية الصيدلية الوحيدة في القرية. أما التلاميذ، فباتوا يراجعون دروسهم في ظلام مطبق، تتقاذفهم حرارة الجو وانعدام الضوء، في مشهد يُثير الإشفاق والقلق. وتوقفت المراوح والمكيفات عن الدوران، فازدادت المعاناة، خصوصًا لمن حالفهم الحظ بامتلاكها، فذاقوا ألم الحاجة بعد النعمة.
فنحن لا نخاطب اليوم مجرد قرية، بل نخاطب أهلًا هم منارات الصبر، ومعادن الطُهر، وأعمدة الفضل.
أنتم أهل الشرف، أهل العلم، أهل البركات، أهل القرآن، أهل السكينة،
اثبتوا على ما تركه لكم الآباء والأمهات من فضيلة، فهي تاجُكم، وسرُّ قوتكم، وعزُّكم الحقيقي. ليس لكم في الدنيا من نصيب أعظم من القلوب الطاهرة، التي وكلت أمرها لله، وأودعت سرَّها في يقينه.
لكن وسط هذه الكآبة الظاهرة، انبثق نور أسمى: نور العودة إلى الله، واستحضار عِظم نعمه حين تزول. فقد قال الله تعالى:
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾
وما أحوجنا إلى الشكر، لا حين تعود النعمة فقط، بل حين تغيب، لنعرف قدرها، ونُطيل السجود لأجلها.
قال رسول الله ﷺ:
“عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْه سرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له” [رواه مسلم].
يا أهل عين فربه،
إن ما مر بكم ليس إلا ابتلاءً يُطهّر، ومحنةً تُطهّر القلوب وتُوقظ الأرواح من سباتها. والله تعالى قال:
﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
فاصبروا واحتسبوا، واعلموا أن في نهاية كل عسر، يُسرًا لا يُدركه إلا من ثبت ورضي وتوكل.
وإن هذه اللحظات القاسية، قد تكون دعوة ربانية لإعادة ترتيب علاقتنا بالخالق قبل المخلوق، وبالسماء قبل الأرض. فلا كهرباء ولا ماء تدوم بغير إذن الله، ولا أمن ولا طمأنينة تثمر بغير شكره وتقواه.
وقد وعدنا الله بقوله:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
فلنجعل من هذه المحنة طريقًا إلى الاستغفار، والمسامحة، والدعاء الجماعي، وإصلاح ذات البين، ولنُحسن الظن بالله، فهو القادر أن يُبدل الحال، ويغمرنا من فيضه، ويمنحنا من بركاته ما لم نكن نحتسب.
وإن النعمة إذا عادت، فلنُحطها بسياج الشكر والطاعة، لا أن نألفها حتى ننسى مصدرها.
فطوبى لمن أيقظه الانقطاع، وقرّبه الابتلاء، ورفعه الإيمان حين أظلمت الدنيا من حوله.
بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي
📌 اقرأ المزيد على الرابط :https://www.elhodh.info/