التعيينات الحكومية :هل حان وقت إنهاء التعيينات بالولاء؟ - وكالة الحوض للأنباء

التعيينات الحكومية :هل حان وقت إنهاء التعيينات بالولاء؟

منذ ولايته الأولى، قاد رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني معركة قوية ضد أوجه القصور في الإدارة، داعياً إلى حكومة أكثر كفاءة، أقرب إلى المواطن، وخالية من الممارسات القديمة التي ...
Image

منذ ولايته الأولى، قاد رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني معركة قوية ضد أوجه القصور في الإدارة، داعياً إلى حكومة أكثر كفاءة، أقرب إلى المواطن، وخالية من الممارسات القديمة التي تعيق تقدم البلاد. كما حارب بشدة الظلم الاجتماعي، بما في ذلك العنصرية وأشكال الإقصاء .

اليوم، ومع بداية ولايته الثانية، يواجه الرئيس تحديًا جديدًا يتمثل في ترسيخ هذه الإنجازات من خلال تنفيذ إصلاحات دائمة، قادرة على ضمان دولة فعالة وشاملة تمتد فوائدها إلى ما بعد فترة حكمه. وهذا يتطلب إجراءات ملموسة تترك إرثًا مؤسسياً يكون بمثابة أساس لتنمية موريتانيا.


الإدارة كأداة سلطة محتكرة لعقود

من الضروري الاعتراف بأن تحيز الإدارة ليس ظاهرة حديثة، بل هو واقع ترسخ وتعزز عبر جميع الأنظمة السابقة، حيث استُخدمت أجهزة الدولة كأداة لضمان السيطرة السياسية والبقاء في السلطة.

على مدى عقود، كانت الإدارة الموريتانية مُسيسة ومُستغلة لتحقيق الأهداف التالية:

  • تعزيز شبكات النفوذ داخل السلطة على حساب مبادئ العدالة والكفاءة.
  • إدامة أسلوب الحكم غير الشفاف والقائم على الولاءات، حيث يعتمد الوصول إلى الوظائف العامة على العلاقات السياسية بدلاً من الكفاءة.

هذه الديناميكية أدت إلى ثقافة الإقصاء والمحسوبية، مما أضعف المؤسسات وأعاق التنمية الوطنية.

وفي بداية ولايته الثانية، أمام الرئيس فرصة تاريخية لإنهاء هذه الممارسات من خلال تنفيذ إصلاحات جوهرية تضمن إدارة محايدة وفعالة تخدم جميع المواطنين الموريتانيين.


توزيع المناصب العليا: مقارنة بين موريتانيا والديمقراطيات الغربية

في العديد من الديمقراطيات الغربية، يعتمد توزيع المناصب العليا في الدولة على تمييز أساسي بين الوظائف السياسية والإدارية، مما يضمن حيادية مؤسسات الدولة واستمراريتها بغض النظر عن التغيرات السياسية.

أما في موريتانيا، فإن الإقصاء المنهجي للبعض من المناصب الإدارية والحكومية الرئيسية يعكس نمطًا سلطويًا مركزيًا. هذه المقاربة تطرح تساؤلات حول مدى استقلالية أجهزة الدولة عن الحزب الحاكم، ومدى قدرة النظام على تبني سياسات حكومية مبنية على الكفاءة بدلاً من الولاء السياسي.

1. الفصل بين الإدارة والسياسة في الدول الغربية

1.1. ثبات واستقلالية البيروقراطية في الديمقراطيات المتقدمة

في الدول الغربية، تعتمد الحكومات على إدارة عامة محترفة ومستقلة نسبيًا عن السلطة السياسية، حيث:

  • في الأنظمة البرلمانية (مثل المملكة المتحدة، ألمانيا، كندا):
    • لا تُمنح المعارضة أي مناصب وزارية، إلا في حالات الحكومات الائتلافية أو الوحدة الوطنية.
    • يتم تعيين كبار الموظفين الإداريين بناءً على الكفاءة، مما يضمن استقرار الجهاز الحكومي رغم تغير الأحزاب الحاكمة.
    • تعتمد الثقافة البيروقراطية على الحياد والكفاءة، مما يضمن أداءً فعالًا للدولة بغض النظر عن المصالح الحزبية.
  • في الأنظمة الرئاسية (مثل الولايات المتحدة، فرنسا):
    • يتمتع الرئيس المنتخب حديثًا بسلطة تعيين بعض المسؤولين الكبار (مثل السفراء، مديري الوكالات، القضاة الفيدراليين).
    • لكن الجزء الأكبر من الجهاز الإداري، خاصة الكادر المهني في الخدمة العامة، يظل مستقلًا عن التغيرات السياسية، مما يضمن استمرارية السياسات العامة.

في هذه الأنظمة، يتم اختيار كبار الموظفين الإداريين – مثل المديرين العامين، الأمناء العامين، ورؤساء الوكالات العامة – من بين التكنوقراط المؤهلين، وليس بناءً على الولاءات السياسية.

وهذا ما يميز الدول الغربية عن موريتانيا، حيث لا يتغير وجه الإدارة بالكامل مع كل تغيير حكومي.


إصلاحات أساسية لضمان إدارة فعالة وشاملة

لضمان أن يترك الرئيس إرثًا مؤسسياً قوياً، يجب أن يستند نهجه إلى إصلاح شامل للإدارة العامة، مستوحى من أفضل التجارب الديمقراطية:

1️⃣ إنشاء إدارة عامة محايدة ومستقلة
🔹 الفصل بين الوظائف السياسية والإدارية**، بما يضمن استقلالية المؤسسات الحكومية.
🔹 ضمان استمرارية المؤسسات حتى في ظل التغيرات السياسية.

2️⃣ فتح المؤسسات أمام الكفاءات الوطنية
🔹 اعتماد آلية شفافة لتعيين كبار الموظفين، قائمة على الخبرة والكفاءة بدلاً من الولاء الحزبي.

3️⃣ إطار قانوني لضبط التعيينات
🔹 وضع آليات رقابية لضمان التعيينات وفق معايير موضوعية، تشمل معايير كفاءة واضحة.
🔹 إنشاء مجلس للخدمة العامة يتولى مراجعة وتقييم تعيينات كبار الموظفين، لضمان حياديتهم واستقلاليتهم.


إرث دائم لتنمية موريتانيا

إذا تم اعتماد هذه الإصلاحات، فسيترك الرئيس إرثًا مؤسسياً قويًا، يضمن دولة مستقرة وعادلة وفعالة.

إن تنفيذ هذه الرؤية سيمكن موريتانيا من دخول عصر جديد، حيث لن تكون مؤسسات الدولة أداة في يد فصيل سياسي معين، بل ستكون جهة مستقلة تعمل لصالح جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم.

وبالتالي، يتمثل التحدي الأساسي للولاية الثانية للرئيس في تحويل الإدارة من أداة سياسية إلى مؤسسة قائمة على الكفاءة والاستقلالية. وهذا هو الإرث الحقيقي لقائد إصلاحي، يطمح إلى بناء موريتانيا حديثة، شاملة، ومستقرة.

بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي

 📌 : اقرأ المزيد على الرابط: https://www.elhodh.info/


شائع

اترك تعليقك