في مساء السبت، 22 فبراير 2025، شهدت مدينة مولهاوس، شرق فرنسا، حادثة طعن مروعة نفذها مهاجر جزائري الأصل، حيث قام بمهاجمة عدد من الأشخاص بسكين، مرددًا عبارة “الله أكبر” أثناء الهجوم. أسفر الاعتداء عن مقتل مدني وإصابة اثنين من رجال الشرطة قبل أن تتمكن القوات الأمنية من إلقاء القبض عليه. تأتي هذه الحادثة بعد أيام قليلة من هجوم مشابه في ألمانيا، حيث قام شخص آخر بطعن عدة أشخاص داخل محطة قطارات بالقرب من فرانكفورت، ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة آخرين بجروح خطيرة.
هاتان الحادثتان المتتاليتان تسلطان الضوء على تصاعد العنف داخل أوروبا، خاصةً مع تزايد التوترات الدولية الناجمة عن الحرب في غزة. فهل يمكن اعتبار هذه الهجمات مجرد حوادث فردية، أم أنها جزء من ردود فعل أوسع مرتبطة بتطورات الصراع في الشرق الأوسط؟
فرنسا وألمانيا في مرمى العنف: تصاعد الهجمات الفردية
حادثة مولهاوس في فرنسا: الإرهاب يضرب مجددًا
وفقًا للتقارير الأمنية، كان المهاجم الجزائري معروفًا لدى السلطات وكان مسجلاً ضمن ملف معالجة التقارير لمنع التطرف ذي الطبيعة الإرهابية (FSPRT)، وهو مؤشر على كونه تحت المراقبة. عند الهجوم، أطلق الرجل صرخات “الله أكبر”، مهاجمًا المدنيين والشرطة في سوق مزدحمة، مما أدى إلى سقوط الضحايا وسط حالة من الذعر بين المارة.
الحكومة الفرنسية سارعت إلى التنديد بالهجوم، مؤكدةً على أن “التهديد الإرهابي لا يزال قائماً في البلاد”، وأنه سيتم تعزيز التدابير الأمنية في الأماكن العامة.
هجوم فرانكفورت في ألمانيا: عنف متزايد بلا تفسير واضح
بعد أيام قليلة من حادثة مولهاوس، شهدت ألمانيا حادثة طعن داخل محطة قطارات في فرانكفورت، حيث أقدم شخص على مهاجمة الركاب بشكل عشوائي، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين. دوافع المهاجم لا تزال قيد التحقيق، ولكن بعض التقارير أشارت إلى احتمال أن يكون له خلفيات أيديولوجية أو دوافع انتقامية مرتبطة بالأحداث الدولية.
هذه الحادثة تأتي في وقت حساس جدًا بالنسبة لألمانيا، حيث تواجه السلطات تحديات كبيرة في التعامل مع اللاجئين، وتصاعد المشاعر المناهضة للمسلمين، والتوترات السياسية الناتجة عن الحرب في غزة.
هل للصراع في غزة دور في تصاعد العنف في أوروبا؟
مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة وسقوط آلاف الضحايا المدنيين، تزايد الغضب بين الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث شهدت العديد من الدول الأوروبية احتجاجات واسعة تنديدًا بما يجري في الأراضي الفلسطينية. هذا التصعيد أدى إلى:
- زيادة الاحتقان بين المجتمعات الأوروبية، مما خلق بيئة خصبة للتوترات الدينية والسياسية.
- تأجيج المشاعر الانتقامية بين بعض الأفراد المتطرفين الذين قد يرون في تنفيذ هجمات انتقامية داخل أوروبا وسيلة للرد على السياسات الغربية الداعمة لإسرائيل.
- تفاقم الشعور بالإقصاء والتهميش لدى بعض المهاجرين، مما قد يدفع البعض نحو التطرف العنيف كرد فعل على ما يعتبرونه “ازدواجية معايير” في التعامل مع الضحايا.
على الجانب الآخر، ازدادت المخاوف داخل أوروبا من تصاعد “الإرهاب المحلي”، مما دفع الحكومات إلى تشديد الإجراءات الأمنية، وفرض قوانين صارمة ضد الجماعات الإسلامية، وتقييد أنشطة بعض الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية.
تداعيات أمنية وسياسية: هل أوروبا على أعتاب مرحلة جديدة من العنف؟
أحداث الطعن المتتالية في فرنسا وألمانيا ليست مجرد حوادث معزولة، بل تكشف عن اتجاه خطير قد يتفاقم في ظل التصعيد الجاري في غزة. بعض الخبراء الأمنيين يحذرون من أن أوروبا قد تواجه موجة جديدة من “الذئاب المنفردة”، الذين ينفذون هجمات مستوحاة من الأحداث الجارية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، تواجه الحكومات الأوروبية معضلة معقدة:
- هل يجب التركيز فقط على الحلول الأمنية وتشديد الرقابة على المسلمين والمهاجرين؟
- أم أن هناك حاجة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذا الغضب، مثل تحسين سياسات الاندماج وإعادة النظر في المواقف السياسية تجاه النزاعات الدولية؟
يبدو أن الحل الأمني وحده لن يكون كافيًا، إذ إن تصاعد هذه الهجمات يشير إلى أزمة أعمق تتعلق بالسياسات الخارجية الأوروبية، ومدى تأثيرها على الجاليات المسلمة داخل أوروبا.
الخاتمة: هل نحن أمام سيناريو أمني جديد؟
إن تكرار الهجمات العنيفة في أوروبا، خاصة تلك التي ينفذها مهاجرون من أصول مسلمة، يعكس تداعيات الصراعات العالمية على الأمن الداخلي للدول الغربية. في ظل استمرار الحرب في غزة، والتوترات الدولية المتزايدة، من المتوقع أن تظل أوروبا ساحة توتر متزايد بين الإجراءات الأمنية الصارمة وردود الفعل العنيفة من بعض الأفراد.
إذا لم تُتخذ إجراءات متوازنة تجمع بين الأمن والسياسات العادلة تجاه القضايا الدولية، فقد تجد أوروبا نفسها في مواجهة موجة جديدة من العنف، ليس فقط من قبل المتطرفين، ولكن أيضًا من تصاعد اليمين المتطرف الذي يستغل هذه الأحداث لتعزيز خطاب الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين.
الأسئلة التي تطرح نفسها الآن:
- هل سيتمكن القادة الأوروبيون من اتخاذ تدابير تمنع تصاعد العنف دون إثارة المزيد من التوترات المجتمعية؟
- هل تؤدي هذه الهجمات إلى مزيد من التشدد في القوانين ضد الجاليات المسلمة، مما قد يفاقم الأزمة بدلاً من حلها؟
- وهل تستفيد إسرائيل من هذه الفوضى في أوروبا لتحويل الأنظار عن جرائمها في غزة؟
الأيام القادمة ستكشف الكثير، ولكن المؤكد أن أوروبا باتت الآن أكثر عرضةً لموجات من العنف، كنتيجة مباشرة لسياساتها الداخلية والخارجية.